الجزر الحرارية في مدينة الإسكندرية| دراسة في المُناخ التطبيقي
في السنوات الأخيرة، فرضت الظروف الطبيعية على الإنسان ضرورة متابعة التغيرات الملموسة والواضحة في المناخ. إذ وصلت درجات الحرارة إلى مستوياتٍ غير مسبوقة في التاريخ، مما يُشكِّل تهديدًا خطيرًا ويعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والطبيعة. لقد أسهم التقدم الصناعي بشكل كبير في هذا التدهور؛ حيث استخدم الإنسان الموارد بدون اعتبار للتأثيرات السلبية التي ستنجم عنها، كما أن تزايد عدد السكان ونموهم المستمر مع اعتماد أنماط حياة تشجع على الاستهلاك المفرط، يترتب عليه زيادة التداعيات البيئية والاقتصادية. يرتبط هذا بطلب مستمر لزيادة الرفاهية، مما يُؤدِّي إلى ابتكار أساليب جديدة وغير صحيحة تسهم في التغير المناخي. وتعد درجات الحرارة أحد العوامل الرئيسية في التغير المناخي، حيث تُؤثِّر على باقي العوامل المناخية وتدفعها نحو التغير والانحراف. على الرغم من أن معظم التنبؤات تشير إلى تداعيات كارثية لارتفاع درجات الحرارة، إلا أن ذوبان الثلوج في القطبين وقمم الجبال القارية وارتفاع مستوى سطح البحر يشكلان الهاجس الحقيقي للبشر وأهم تلك التداعيات، خاصة بالنسبة لسكان المناطق الساحلية المنخفضة أو مجتمع الخطوط الأولى. وتشير المؤتمرات الدولية المختصة بالتغير المناخي إلى اهتمام العالم بهذه القضية وتأكيد أثرها الخطير على الكوكب. وتظهر أيضًا أن الدول الفقيرة هي الأكثر تضررًا وتعجز عن تنفيذ خطط التكيف والتخفيف من آثار التغيرات المناخية المحتملة رغم مشاركتها المتواضعة في الوصول إلى هذه المشكلة في حين أن هناك حكومات تضع بالفعل وتنفذ خطط للحماية من آثار التغير المناخي وتتخذ إجراءات للتكيف والتخفيف من آثاره. لذلك فإن دراسة الجزر الحرارية في مدينة الإسكندرية؛ وهي أحد مجتمعات الخطوط الأولى، هو موضوع فائق الأهمية، فإن ارتفاع درجات الحرارة والظواهر الجوية المتطرفة من أهم التحديات المناخية التي تواجه المدينة بجانب خطر الغرق بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر والعواصف الممطرة. وتكمن خطورة الجزر الحرارية في إنها تغير هادئ، على الرغم من إنه يطيل كل فرد في المدينة وله تداعيات ضارة على الصحة والإنتاج ونوعية المعيشة والعمل. إذ قدرت دراسة أجريت عام 2022 أن الأشخاص في جميع مدن العالم يفقدون ما يقرب من 44 ساعة نوم كل عام بسبب عدم انخفاض الحرارة ليلاً، مما يؤدي إلى الإصابة بإجهاد حراري وأمراض أخرى[1]. بالفعل، هناك العديد من الدراسات التي تناولت الحالة المناخية في الإسكندرية[2]، وتحتاج الدراسات التفصيلية لاتجاهات المناخ في الإسكندرية إلى تتبع وتحليل البيانات المناخية لفترات زمنية كافية، بالإضافة إلى مراعاة التغيرات التي طرأت على المجتمع السكندري. إذ أن للتغيرات الديموغرافية والتطور العمراني دور في تأثير الظواهر المناخية على البشر والمدينة. وتعددت الدراسات التي اهتمت بالجزر الحرارية في كثير من مناطق العالم وفي مصر، وكذلك الدراسات التي اهتمت بالجزر الحرارية في بعض مدن مصر والإسكندرية تحديدًا، فمنها من اهتم بالجزر الحرارية في المدينة من وجهة نظر المُناخ الحضري الذي يرصد الواقع الفعلي لفترة زمنية قائمة، فكان واصف ومحلل لما هو عليه الوضع وقت الدراسة مثل الدراسة القيمة[3] لشيماء السيد عبد النبي. وربما كان السبب في عدم رصد المُناخ الحضري لتاريخ الظاهرة إلى أن المساحة المدروسة في الجزر الحرارية تكون صغيرة إلى حدٍ كبير، وبالتالي يصعب الحصول على بيانات مُناخية لعدة سنوات تُمكِّن الباحث في المُناخ الحضري من تتبعها ورصد ما طرأ عليها من تغير والتنبؤ بما ستؤول إليه في المستقبل. ومن هذه الدراسات عن الجزر الحرارية خارج الإسكندرية دراسة علياء موسى في مدينة بورسعيد[4] ودراسة محمد هاني في مدينة أسيوط[5]. تتضمن هذه الورقة الدراسية تحليلًا لدرجات الحرارة في مدينة الإسكندرية في الفترة من 2000 إلى 2020 لتوضيح وجود جزر حرارية تُؤثِّر على نمط الحياة وطبيعة المدينة بهدف فهم اتجاهات درجات الحرارة في المستقبل. لذلك تم تقسيم مدينة الإسكندرية إلى أربعة أقسام: شرق ووسط وغرب وجنوب، لتحليل البيانات المناخية. ومع ذلك، لتحقيق دراسة مكانية أدق وتحديدًا جغرافية للجزر الحرارية، قد يكون من الضروري تقسيم المدينة إلى أقسام أصغر في حالة توفر مراصد مناخية مُوزعة على جميع أنحاء المدينة لتوفير بيانات مناخية شاملة ومتاحة تُمكِّن الباحثين من إجراء دراسات أعمق وأكثر تفصيلاً، مما يساهم في فهم أفضل للجزر الحرارية وتأثيرها على البيئة ونمط الحياة في المدينة، وهي ضرورة لاتخاذ التدابير والاستراتيجيات المناسبة للتكيف مع التغيرات المناخية وتخفيف تأثيرها السلبي. وتهدف هذه الدراسة إلى استكشاف مبدئي لاتجاهات درجات الحرارة في المدينة على المدى الطويل وتوفير تحليل ونتائج مُعبِّرة عن التغيرات المناخية المُتوقعة. وتعتمد الدراسة على منهج البحث التاريخي لفهم النمط الزمني لدرجات الحرارة في الماضي وتتبع التغيرات على مر الزمن، من خلال تحليل السجلات المناخية والبيانات التاريخية ذات الصلة منذ سنة 2000. كذلك تركز الدراسة على عرض وتحليل البيانات المكانية والجغرافية لفهم تأثيرها على درجات الحرارة في مناطق مختلفة من المدينة. كما تتبع المنهج الوصفي التحليلي باستخدام أساليب الإحصاء لتحليل البيانات والتوصل إلى استنتاجات باستخدام معاملات الاختلاف والارتباط لتحديد العلاقات والتأثيرات المحتملة بين وجود الجزر الحرارية والأسباب الطبيعية والبشرية في المدينة. وتعتمد الدراسة على الأشكال والخرائط لعرض البيانات المُعقدة، لتيسير فهم نتائج البحث والتعامل مع الاستنتاجات والتوصيات الناشئة عنها. وباستخدام هذه المنهجيات المتنوعة، تسعى الدراسة إلى توفير رؤية شاملة لوجود الجزر الحرارية في مدينة الإسكندرية وفهم تأثيرها على الحياة والبيئة المحلية. تفحص الدراسة البيانات المتاحة على محطات الأرصاد لفترة تمتد من عام 2000 إلى عام 2020 في عموم المدينة، وهي البيانات المتاحة بصورة شبه كاملة على محطات الأرصاد[6] لتحديد الاتجاهات العامة للحرارة، مما يوفر فهمًا أوليًا لتباين وتغير درجات الحرارة عن المعدل العام في عموم الاسكندرية خلال فصول السنة الأربعة ويساعد في تحديد الشذوذ والانحراف الحراري الذي قد يؤدي إلى وجود الجزر الحرارية. ثم تأخذ الدراسة اتجاهًا أكثر تفصيلاً حيث تُقسم مدينة الإسكندرية إلى أربعة مناطق مُناخية: شرق ووسط وغرب وجنوب، إلا أنها ركزت على ثلاثة مناطق حيوية تُمثِّل المدينة وهي شرق ووسط وغرب بنفس آلية الدراسة على كل منطقة وفي نفس السنوات لمعالجة البيانات بالطرق العلمية في حال عدم توفرها أوليًّا. وجرى استبعاد منطقة الجنوب لقلة كثافتها السكانية وظروفها الجغرافية المختلفة؛ إذ أنها تتكون من ظهير صحراوي ورقعة زراعية كبيرة نسبيًا بالمقارنة مع المناطق الأخرى بالمدينة جعلت منها منطقة مختلفة جغرافيًا ومناخيًا عن المناطق الثلاثة الأخرى التي اختصتهم الدراسة. [1] مونتريال ديلي، “ما السبب وراء ارتفاع درجات الحرارة خلال الليل وما هي الأضرار المحتملة لهذه الظاهرة؟” 2 يوليو 2023. https://tinyurl.com/4sskb9f5 [2] الإنسان والمدينة للأبحاث الإنسانية والاجتماعية (2022)، “هل تغرق المدينة؟ الإسكندرية في مواجهة التغير المناخي”، https://hcsr-eg.org/?p=4564 [3] شيماء السيد عبد النبي (2010)، الجزر الحرارية في الإسكندرية، رسالة ماجستير، جامعة الاسكندرية. [4] علياء محمد موسى موسى (2020)، شدة الجزيرة الحرارية في مدينة بورسعيد باستخدام نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب جامعة دمياط. [5] محمد هاني سعيد (2016)، “الجزر الحرارية في مدينة أسيوط وعلاقتها براحة الإنسان”، مجلة أسيوط للدراسات
هل غذاء المصريين في خطر؟ رصد مؤشرات الأمن الغذائي في مصر
بلغ المعدل السنوي لتضخم السلع الغذائية ذروته في سبتمبر 2023؛ إذ وصلت الزيادة في أسعار الطعام والشراب إلى 73.56%[1] في الوقت الذي تزداد فيه دخول الأسر منخفضة ومتوسطة الدخل بمعدلات أقل بكثير وعلى فترات أبعد من الزيادة المتكررة في معدلات التضخم، مما يُقوِّض قدرتهم الشرائية. وبسبب وضع الاقتصاد المصري المتأزم والانخفاض المستمر في قيمة العملة المحلية وفي ظل سياق عالمي أوسع من اندلاع حروب وانتشار أوبئة وأزمة لامساواة غير مسبوقة، يسود شعور عام بين المصريين بالخوف من تسلل الجوع إلى حياتهم اليومية؛ خوف من أن يصبح الجوع تهديدًا يختبره أصحاب الدخول المتوسطة مع كل تجربة تسوق، وشبحًا ملازمًا لأصحاب الدخول المنخفضة، وأن يترك غير القادرين فريسة لضعف المناعة والأمراض المزمنة. فمن أجل مقاومة الجوع بالحيلة، يلجأ هؤلاء إلى بدائل غير صحية، كتعويض البروتين بالمزيد من الكربوهيدرات وتناول وجبات رخيصة الثمن فقيرة القيمة الغذائية. يكفل الدستور المصري لكل مواطن الحق في غذاء صحي وكاف، وماء نظيف. وتلتزم الدولة بتأمين الموارد الغذائية للمواطنين، كما تكفل السيادة الغذائية بشكل مستدام، وتضمن الحفاظ على التنوع البيولوجي الزراعي وأصناف النباتات المحلية للحفاظ على حقوق الأجيال.[2] ويؤكد الدستور على هذا الحق للأطفال في مادة منفصلة، فيُشرّع بأنه “يعد طفلا كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، ولكل طفل الحق في اسم وأوراق ثبوتية، وتطعيم إجباري مجاني، ورعاية صحية وأسرية أو بديلة، وتغذية أساسية”.[3] ويأتي الحق في الغذاء ضمن الحقوق الأساسية التي ينص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فلكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ فيما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه. لكن متى نعتبر أن هذا الحق مفعّل، وأنّ المواطنين المصريين يتمتعون بما يكفله الدستور والمواثيق الدولية لهم؟ تُوضِّح لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالأمم المتحدة أنه يتم إعمال الحق في الغذاء الكافي عندما يتاح ماديًا واقتصاديًا لكل رجل وامرأة وطفل بمفرده أو مع غيره من الأشخاص، في كافة الأوقات، سبيل الحصول على الغذاء الكافي أو وسائل شرائه. وترى اللجنة أن المضمون الأساسي للحق في الغذاء الكافي يعني “توفر الغذاء بكمية ونوعية تكفيان لتلبية الاحتياجات التغذوية للأفراد وخلو الغذاء من المواد الضارة وكونه مقبولاً في سياق ثقافي معين، وإمكانية الحصول على الغذاء بطرق تتسم بالاستدامة ولا تعطل التمتع بحقوق الإنسان الأخرى”. تهدف هذه الورقة البحثية إلى الوقوف على وضع الأمن الغذائي الحالي في مصر؛ إذ تتحرى مدى تحقق أبعاده بقياس مؤشراته، وذلك باستخدام الدليل الذي وضعته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) لرصد الأمن الغذائي في المنطقة العربية، وبالاعتماد على قاعدة بيانات كلٍ من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والبنك المركزي المصري، والبنك الدولي، ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، وقاعدة البيانات العالمية لأهداف التنمية المستدامة SDG Global Database، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف). ووقع اختيارنا على عامي 2010 و2017 لمقارنتهما بأحدث البيانات المتاحة لغرضين: الأول، لتوضيح التقدم الذي أحرزته مصر خلال العقد الماضي في مقاصد التنمية المستدامة وتحديدًا الهدف الثاني “القضاء على الجوع” أو التراجع عنها. والثاني، هو إنه في حالة غياب بيانات حديثة نستطيع من خلالها قياس أثر كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية على وضع الأمن الغذائي في مصر، فإن السنتين 2010 و2017 قد تمكننا من رسم صورة عن هذا التأثير نظرًا لإن عام 2010 تتضح به تداعيات أزمة الغذاء العالمية على مصر، ويوضح لنا العام 2017 آثار تحرير سعر الصرف (تعويم الجنيه) في نوفمبر 2016. صورة البحث من تصوير محمود عياد الهوامش [1] التحليل الشهري للتصخم، البنك المركزي المصري، https://tinyurl.com/ywkd3m74 [2] دستور مصر الصادر عام 2014، المادة 79 [3] دستور مصر الصادر عام 2014، المادة 80
أنماط الجزر الحرارية بالإسكندرية فى الفترة (2000-2020)
سلسلة فيديوهات عن التغير المناخي: الحلقة الثالثة
الحلقة الثالثة والأخيرة: “الحريقة” أو “حبيبي ولا على باله” في ظل الظواهر المناخية المتطرفة وغيرها من تبعات التغير المناخي، علينا ايجاد حلول بديلة لمواجهتها. التغير المناخي واقع، أعرف عنه. تتقاطع موضوع الفيديو مع مجموعة من أبحاث ومقالات وسرديات طرحها القائمين على الإنسان والمدينة، منها: 1-بحث: أزمة المياه في مصر في ظل تغير المناخ 2- ورقة حقائق: سلسلة أوراق حقائق : آثار التغيرات المناخية 3- بحث: هل تغرق المدينة؟ الإسكندرية في مواجهة التغير المناخي 4- بحث: التغير المناخي و أثره على الأوضاع الاقتصادية 5- محاضرة: تأثير التغيرات المناخية على سواحل مصر الشمالية وسواحل البحر الأحمر 6- محاضرة: من دمياط إلى مرسى مطروح 7- محاضرة: تأثير التغيرات المناخية على المناطق الأثرية في الإسكندرية وطرق التصدي لها 8- محاضرة: التغيرات المناخية والتأثيرات الصحية: مراجعة لدراسات سابقة ودراسة المتوقع في القطر المصري 9- مقال: أثر الأمطار على البنية التحتية للمدن المصرية Credits Director: Ayoub Abdullah Creative & Copywriter: Anas Abdalla – Osama Ibrahim Ismail Dop: Abdelrahman Hussein Art Director: Ghadir Fahim Eid Sound recording: Islam El Bestawy Production manager: Anas Abdalla Production assistant: Amr Ahmed Bassar 2nd AC: Omar Nassar 1st AD: Hamdy Wahba 2nd AD: Salma El Hossary Gaffer: Bino Samir Lighting technicians: Mazen Amr – Johnny Thomas Photography & BTS: Tiana Kader Post Production Editor: Youhanna Nagy Colorist: Minos Nabil Sound mixing: Andrew Mamdouh VO Artist: Osama Ibrahim Ismail Cast Islam El bestawy Special thanks Lamees Mohamed – Osama Ibrahim Ismail – Amr Bassar
أزمة المياه في مصر في ظل التغير المناخ
بالتزامن مع اليوم العالمي للماء الموافق 28 مارس 2023، اصدرنا الورقة البحثية: أزمة المياه في مصر في ظل التغير المناخي. تنقسم الورقة البحثية: أزمة المياه في مصر في ظل التغير المناخ إلى خمسة أقسام على النحو التالي: يُقدِّم القسم الأول مقدمة موجزة عن المفاهيم المرتبطة بالأمن المائي وتأثير التغير المناخي على المياه. يُلخِّص القسم الثاني واقع الأمن المائي في مصر وأهم الأسباب التي تُؤثِّر على ندرة الموارد المائية. ويناقش القسم الثالث وضع مصر المائي ببيان المشكلة وأسبابها الجذرية، وتحليل كفاءة إدارة المياه في مصر. ثم يفرد القسم الرابع أثر التغير المناخي على الموارد المائية المصرية. أخيرًا، تختتم الورقة برصد تاريخي لاستراتيجيات الموارد المائية. وتعتمد الورقة البحثية على المنهج الوصفي؛ إذ تهدف لدراسة آثار ظاهرة الاحتباس الحراري على الموارد المائية العذبة لمصر كدراسة حالة، بالإضافة إلى دراسة المشروعات والسياسات التي وضعتها وزارة الموارد المائية والري بهدف التقليل من آثار ظاهرة الاحتباس الحراري على الموارد المائية المحدودة في مصر. تعتمد منهجية البحث الأولية المستخدمة في هذه الورقة على مصادر اعتمدت الوصول إلى أحدث البيانات والتقارير الصادرة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ووزارة الموارد المائية والري، ومركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لرئاسة مجلس الوزراء، وتقارير المساهمات المحددة وطنيًا المقدمة من مصر (NDC) ومجموعة البنك الدولي، والهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وغيرها من الكيانات الحكومية والمنظمات الدولية.
الحروب والتغيرات المناخية
تعتبر الحروب منذ فجر التاريخ جزءًا من التجربة الإنسانية؛ فعندما نتذكر الحروب تأتي إلى الأذهان مناظر الدماء والجثث الشنيعة وهدم البيوت وتفكيك الأُسر وترك الأوطان. ولا تقتصر الآثار السلبية للحروب على هذا الصعيد فقط، بل تُعتبر البيئة من أهم الضحايا المجهولين الذين لا يصدر عنهم صوت ولا اعتراض أثناء الحروب. فتتعرض البيئة إلى تلوث الهواء وتدمير النباتات والحيوانات وتدمير الحياة البحرية من شعاب مرجانية وأسماك التي قد يمتد تأثيرها إلى عشرات السنوات مما يؤثر على الإنسان ويساهم أيضًا في زيادة التغير المناخي. ففي نفس الوقت الذي نجد فيه العلماء والمفكرين والجهات المختصة بمعالجة التغيرات المناخية يصارعون للحفاظ على المعدلات الطبيعية لدرجة الحرارة ويعملون على إيقاف ارتفاعها، نرى حربًا جديدة تضاف على قائمة الحروب الحالية، مثل الصراع بين روسيا وأوكرانيا، متوقع أن تكون تبعاتها كارثية على التغيرات المناخية بسبب أزمة الطاقة التي ستولدها. تُعتبر الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية وروسيا من بين الدول الثلاث الأولى في تجارة الوقود. وروسيا هي المصدر الأول للغاز الطبيعي إلى أوروبا، وبسبب الصراع الدائر بين روسيا والغرب، فإن أمن الطاقة الأوروبي تحت تهديد بوتين. رفض الرئيس الروسي أخذ تكلفة الغاز الطبيعي سواء بالدولار الأمريكي أو باليورو؛ وأصر على البيع بعملة بلاده، الروبل الروسي. بدأت الولايات المتحدة وأوروبا في إعادة تخزين مخزونهما من الفحم كإجراء احترازي في حال رفضت روسيا بيع الغاز الطبيعي لها أو إذا قررت التوقف عن دعمها ماليًا لتخفيف ضغط الحرب على أوكرانيا. ونجد إنه بالفعل عادت ألمانيا وبعض دول الجوار إلى الاعتماد على الفحم مرة أخرى بشكلٍ مؤقت لحين حل الأزمة أو إيجاد مصادر بديلة للغاز الطبيعي. وتكمن المشكلة في عدم معرفة طول هذه الفترة المؤقتة ومدي استمرارها، فقد تمتد إلى عدة أعوام. ومن المتوقع ألا يقتصر الأمر على ألمانيا وبعض الدول المجاورة، بل سيشمل كل أوروبا بعدما كانت في الطريق إلى منع استخدام الفحم نهائيًا بحلول عام 2038[1]. ومما زاد الوضع تعقيدًا الأعمال التخريبية التي تعرض لها خطي غاز “نورد ستريم 1″؛ والذي بدأ أعماله في 2011 ويتمكن من نقل 170 مليون متر مكعب يوميًا من الغاز، و”نورد ستريم 2″؛ الذي كان من المفترض أن ينقل 55 مليار متر مكعب من الغاز ولكن تم وقف اعتماده من قِبل ألمانيا ردًا على الحرب الروسية على أوكرانيا[2]. وبالنظر إلى الأضرار التي أصابت خطي الغاز، من المتوقع ألا تنتهي عمليات الإصلاح قبل ستة أشهر في أفضل تقدير، مما يؤكد حقيقة أن الشتاء الأوروبي القادم سيكون الأصعب من نوعه مع ارتفاع أسعار الغاز وندرته، وبالتالي ارتفاع أسعار الكهرباء اللازمة للتدفئة، مما يرجعنا إلى استخدام الخشب كمصدر للتدفئة؛ أي قطع أعداد هائلة من الأشجار لهذا الغرض. مشكلة العودة إلى استخدام الفحم ليست فقط في استخراجه أو تصنيعه أو نقله أو تداوله، بل تكمن في عملية احتراقه؛ حيث يعتبر أكبر مساهم في زيادة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. تنتج عملية توليد الكهرباء باستخدام حرق الفحم ما يقرب من ضعف الغازات المُسببة للاحتباس الحراري لكل كيلو وات مقارنةً بالتوليد باستخدام الغاز الطبيعي[3]. في حالة حدوث هذا التحول في مصادر الطاقة، فإنه سيعرض محاولات المحافظة على زيادة درجة حرارة الأرض (بمقدار 1.5 درجة مئوية فقط لا أكثر) والجهود القائمة لمحاولة خفض تركيز انبعاث ثاني أكسيد الكربون (إلى 350 جزء من المليون) للخطر. في أثناء الحروب والهجمات المسلحة، تتعرض المساحات الخضراء للتدمير نتيجة احتراقها؛ مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، بالإضافة إلى تدمير الموائل الطبيعية للحيوانات والطيور وغيرها من الكائنات الحية التي تتخذ من الغابات والمساحات الخضراء بيئة لها. ومع تدمير المساحات الخضراء، تزداد صعوبة التخلص من ثاني أكسيد الكربون فيبقى في الغلاف الجوي لوقتٍ أطول. تستهلك الجيوش كميات هائلة من الوقود الأحفوري، مما يساهم بشكلٍ مباشر في الاحتباس الحراري. على سبيل المثال، إذا كان الجيش الأمريكي دولة لكان احتل المرتبة الثامنة والأربعين من حيث إجمالي الانبعاثات حول العالم[4]. نظرًا لأن معظم الدول تستثمر المزيد من الأموال في جيوشها، فإن استخدام الوقود الأحفوري يرتفع سواءً مع وجود صراع أو بدونه. وبينما يساهم الجيش (حتى بدون الاشتراك في حروب) في تغير المناخ، فإن الحرب النشطة تزيد من هذه المساهمة أضعافًا مضاعفة. على سبيل المثال، أطلقت الولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها أكثر من 337 ألف قنبلة وصاروخ على دول أخرى على مدار العشرين عامًا الماضية[5]. وتحرق الطائرات المُستخدمة في تحميل تلك الأسلحة ونقلها ما يقارب 16 لتر من البنزين لكل كيلومتر[6]. ومع تفجير كل قنبلة تزداد نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، بالإضافة إلى تدمير التربة والمساحات الخضراء التي تعتبر أحد أهم مصارف ثاني أكسيد الكربون. تسببت الحرب الأمريكية المزعومة على الإرهاب في إنتاج 1.2 مليار طن متري من الغازات الدفينة في الغلاف الجوي والتي لها تأثير في زيادة الإحتباس الحراري على الكوكب أكثر من الانبعاثات السنوية لـ257 مليون سيارة[7]. تتضرر البنية التحتية لمياه الشرب بشدة في أثناء الحروب، مما يُؤثر على توافر المياه كما حدث في سوريا بعد 10 سنوات من الحرب[9]، بالإضافة إلى تلوث المسطحات المائية المجاورة للمعسكرات الحربية الناتج عن إلقاء المخلفات بها بشتى أنواعها، وأخطرها مخلفات الوقود أو الكيماويات المستخدمة في صيانة المراكب الحربية[10]. هذا بالإضافة إلى اختبارات الأسلحة مثل القنابل النووية والهيدروجينية التي تجريها دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وكوريا الشمالية[11]، والتي يمكن أن تؤدي إلى عدة آثار سلبية كتلوث التربة والمياه الجوفية والتلوث البحري بالمواد الكيميائية والمعادن التي قد تشمل الزئبق والحديد والبلوتونيوم. وقد يكون لهذا عواقب وخيمة على النباتات والكائنات البحرية في هذه المناطق، مما يؤدى إلى اضطرابات في السلسلة الغذائية[12]. تعتبر صحة الموارد الطبيعية وسلامتها حاليًا وفي المستقبل من أهم أهداف التنمية المستدامة في ظل التغيرات المناخية التي يمر بها الكوكب والتي تُؤثِّر على خصوبة التربة نتيجة للجفاف الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة وتأثيرها السلبي على زراعة المحاصيل في مختلف البقاع، بالإضافة إلى تناقص الموارد المائية المستمر بسبب زيادة نسبة التبخر للمسطحات المائية وزيادة معدل هطول الأمطار مع اختلاف توزيعها مما يصعب الاستفادة منها. تلك الآثار السلبية للتغير المناخي تضع العالم كله أمام أزمة جديدة وهي تهديد الأمن الغذائي الدولي. بسبب غياب الرقابة والتجاهل التام للبروتوكول الآمن للتخلص من السموم أو المواد الكيميائية الضارة، نجد إنه بعد الحرب العالمية الثانية تم تعبئة بقايا الأسلحة الكيميائية، مثل غاز الخردل وسموم الزرنيخ، في براميل والتخلص منها مباشرةً في المحيط رغم خطورة ذلك على الكائنات البحرية وأيضًا على الإنسان في حال تحلل البراميل وخروج المواد السامة منها[13]. يعني تلوث البحار والمحيطات تدمير فرصة الكوكب في تقليل أزمة الاحتباس الحراري والتغير المناخي؛ حيث تعتبر البحار والمحيطات أكبر مصرف لثاني أكسيد الكربون بفضل وجود الهائمات النباتية وهي كائنات دقيقة تعمل
من دمياط الجديدة إلى مرسى مطروح
الأستاذ الدكتور نبيل الهادي؛ أستاذ العمارة بجامعة القاهرة. يعمل على دراسة التغير المناخي والعمران منذ عام ٢٠١٥. وأسس فى عام ٢٠١٩ “مختبر”؛ وهو معمل افتراضي للتجريب والأبحاث في كيفية الاستجابة لتهديدات التغيرات المناخية. ويُركِّز هذا المعمل على أربع بيئات طبيعية في مصر؛ هي مصب نهر النيل في دمياط الجديدة، ومصب نهر النيل في رشيد، والسهل الفيضي في ميت رهينة، وساحل البحر الأحمر في مدينة القصير. ويلقي محاضرة بعنوان “من دمياط الجديدة إلى مرسى مطروح: ماذا فعلنا بسواحلنا الشمالية وهل يمكن إنقاذها؟”
تأثير التغيرات المناخية على سواحل مصر الشمالية وسواحل البحر الأحمر
الأستاذ الدكتور محمد السيد شلتوت؛ الأستاذ بقسم علوم البحار بكلية العلوم جامعة الإسكندرية ويقدم عرضًا بعنوان “تأثير التغيرات المناخية على سواحل مصر الشمالية وسواحل البحر الأحمر”؛ حيث يتناول أهم الآثار المترتبة على التغيرات المناخية في المناطق الساحلية كخطر ارتفاع منسوب مستوى سطح البحر المتوسط واحتمالية تعرض بعض مناطق الساحل الشمالي المصري للغرق، بالإضافة إلى المخاطر التي يتعرض لها البحر الأحمر والتي تهدد الشعاب المرجانية.
أثر الأمطار على البنية التحتية للمدن المصرية
تقع مصر في الإقليم المداري الذي يتميز بارتفاع درجات الحرارة في الصيف، والدفء مع سقوط الأمطار بطريقة غير منتظمة خلال فصل الشتاء؛ حيث تسقط الأمطار على هيئة سيول فجائية خلال أيام معدودة. وعلى الرغم من أهمية الأمطار في إعادة ملء المياه الجوفية في معظم المدن المصرية التي تعتمد على مياة الأمطار في الزراعة مثل مدن الساحل الشمالي المصري بأكمله، كما أنه يمكن استخدامها في المناطق الحضرية للمدن في ري الحدائق العامة وتنظيف الشوارع والاستخدامات المنزلية، إلا أنه يتم التخلص من هذه الأمطار دون الاستفادة منها. وقد تعرضت الدولة المصرية في العشر سنوات الأخيرة لكميات هائلة من الأمطار كنتيجة للتغيرات المناخية التي تحدث على مستوى العالم، من ارتفاع درجات الحرارة وما يصاحبها من تباين لكميات تساقط الأمطار وتغيير لمواعيد تساقطها، و ذوبان الكتل الجليدية في القطبين وما يستتبعه من ارتفاع مستوى سطح البحر. وعلى الرغم من أن تساقط الأمطار ليس بظاهرة غريبة على المدن المصرية؛ حيث تتعرض مدن الساحل الشمالي في مصر لكميات كبيرة من الأمطار سنويًا، إلا أن معدلاته اختلفت، وخاصةً في مناطق وسط وجنوب مصر والتي لا تستقبل عادةً كميات أمطار إلا نادرًا في فصل الشتاء. لاستكمال المقال، يرجى الضغط هنا.
حق الإنسان في المساحات الخضراء داخل المدينة
تعد المساحات الخضراء والمسطحات المائية هي حجر الارتكاز للقیام بأي مخطط عمراني حدیث كما تعد مرآة عاكسة لثقافة وحضارة المدینة ومتنفس لأهلها دون أن ننسي الإضافة البیئیة والاجتماعیة والجمالیة والنفسیة وحتى الاقتصادیة التى نجنیها من وجود تلك المسطحات داخل مدننا وحولها.