فرضت السلطات التونسية مؤخرًا مجموعة من القيود على استخدام مياه الشرب، واعتماد نظام الحصص لتوزيعها على السكان لعدة أشهر، وذلك إثر موجة جفاف غير مسبوقة مستمرة منذ 4 سنوات. تعتمد تونس على مصدرين أساسين للمياه العذبة؛ المياه السطحية والمياه الجوفية. وتُقدّر موارد المياه الجوفيّة سنويًا بحوالي 2.125 مليار م3 بينما تُقدر موارد المياه السطحية (الأمطار ومياه الأنهار) سنويًا بحوالي 2.7 مليار م3. وتواجه تونس أزمة جفاف حادة مع تراجع نسبة تساقط الأمطار خلال الأعوام الماضية. ولم يتجاوز معدل امتلاء السدود 31% ليصل بعضها إلى أقل من 15% في بلد يعتمد اقتصاده أساسًا على الزراعة. وقد أصدرت وزارة الفلاحة التونسية قرارًا يقضي بالحد من استعمال المياه الصالحة للشرب لأغراض زراعية وريّ المساحات الخضراء وتنظيف الشوارع والأماكن العامة وغسيل السيارات واعتماد نظام الحصص لتوزيع المياه على السكان حتى شهر سبتمبر القادم. وبدأ تنفيذ تلك القرارات بقطع مياه الشرب ليلاً لمدة سبع ساعات لترشيد الاستهلاك في ظل شح مخزونات المياه العذبة. وبررت الوزارة قرارها بـ”تواتر سنوات الجفاف وضعف الإيرادات بالسدود مما انعكس سلبًا على مخزونها المائي الذي بلغ مستوى غير مسبوق”.
وهو الأمر الذي دفع النقابات الزراعية إلى دق ناقوس الخطر للموسم الزراعي وخاصة فيما يتعلق بقطاع الحبوب. إذ أفاد الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري في بيان بتضرر آلاف الهكتارات جراء نقص الأمطار وتدني مستوى السدود إلى جانب تضرر الأشجار المثمرة والخضراوات وغيرها.
وأصدرت النقابة التونسية للمزارعين في 27 مارس الماضي بيانًا أعبرت فيه عن قلقها لما آلت إليه مزارع الحبوب والأعلاف، وخاصةً في المحافظات المنتجة، على غرار الكاف وسليانة وجندوبة وزغوان وباجة، نتيجة انحباس الأمطار. وأشارت إلى أن التقييم الأولي لمحصول موسم الزراعات الكبرى الحالي سيكون دون المأمول ولن يتجاوز 4 ملايين قنطار، أي بنسبة 12.5% من حاجيات البلاد، المقدرة بـ32 مليون قنطار.
وصرح مهندس الموارد الطبيعية وعضو شبكة تونس الخضراء، ياسر سويلمي، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”: “أزمة شح المياه اليوم عالمية ولكنها تبدو أكثر تأثيرًا في عددٍ من المناطق ومن بينها تونس بسبب التغيرات المناخية التي تعيشها البلاد للعام الخامس على التوالي”. وأضاف بأن أزمة ندرة المياه تعمقت في تونس عبر السنوات الماضية جراء سوء إدارة الموارد المائية.
وطالب بتغيير السياسات العمومية في إدارة المياه لتجاوز الأزمة بعيدًا عن الحلول المؤقتة المتعلقة بمراقبة توزيع مياه الشرب، التي لا تتعدى 13% من استخدام المياه في تونس. كما لا يمكن التعويل على تقليص الاستهلاك المنزلي دون التخفيض بنسبة 5% على الأقل من المياه الموجهة للزراعة في أقرب الآجال.
وذكر بأن شبكات مياه الشرب لم تتغير منذ عشرات السنوات وإمكانيتها متدهورة جدًا، وتساهم في تسرب المياه وإهدارها، كما تؤثر على جودة المياه، معتبرًا أن إصلاح الشبكات سيسمح بتوفير كميات هامة من الماء، وكذلك ترشيد استعمال الماء داخل المصانع وفرض إجراءات لتقنين إلقاء المياه الملوثة وهي حلول سريعة يمكن اللجوء إليها أقل كلفة من محطات تحلية مياه البحر التي تسعى تونس للتوسع فيها.
وبالمقارنة الإجراءات التي اتخذت في تونس مع الوضع المائي في مصر، تعاني البلاد من شح الموارد المائية ويستهلك المصريون حاليًّا أكثر من 100٪ من موارد المياه العذبة المتاحة، كما تخطت مستويات الإجهاد المائي بها 117٪ منذ عام 2017. وانخفض نصيب الفرد من المياه العذبة في مارس 2023 إلى 530.1 م3 في العام، وشارف على الوصول إلى حد الندرة المائية المقدر 500 م3 سنويًا.
وبناءً على ما سبق، يجب الانتباه لما يحدث في تونس والبدء فورًا في اتخاذ إجراءات لترشيد استهلاك المياه العذبة وتحسين البنية التحتية لشبكات مياه الشرب حيث فقدت مصر 2.491.4 مليار م3 عام 2020/2021 بنسبة 27.9% من إجمالي المياه النقية المُنتَجة من شركات إنتاج المياه. ويعود ذلك الفقد إلى إدارة شبكات المياه بمراحلها المختلفة منذ بداية الإنتاج مرورًا بالتوزيع وحتى الاستهلاك، بالإضافة إلى الإهمال في صيانة الوصلات المنزلية، والحد من استخدام مياه الشرب في غير المنشآت السكنية مثل المنشآت الصناعية وري الحدائق والمنتجعات والمسطحات الخضراء وتنظيف الأماكن العامة والشوارع. كما يجب الحد من إهدار المياه العذبة المخصصة للري؛ حيث تفقد مصر سنويًا ما يقارب 7.932 مليار م3 من المياه العذبة.
الصورة أرشيفية مصدرها موقع أصوات مغاربية.