تأثير التغير المناخي على العاملات الزراعيات

1- الأخطار التي تواجهها الزراعة في الدلتا

في ظل الحديث المُوسع عن التغير المناخي عالميًا، وازدياده في مصر بسبب استقبالها لمؤتمر المناخ في نوفمبر القادم، يُثار التساؤل عن تداعيات التغير المناخي على مصر. تُعتبر الزراعة في مصر من أهم القطاعات الاقتصادية من حيث الإنتاج وفرص العمل؛ حيث يُمثِّل العائد الزراعي 15% من الناتج المحلي[1].

نُركِّز في هذا المقال على العاملات الزراعيات، ومدى تأثرهن بالتغير المناخي، تحديدًا في منطقة الدلتا بسبب عاملين رئيسيين: أولًا، ارتفاع درجة الحرارة وبالتبعية ارتفاع منسوب سطح البحر، الذي يهدد غرق بعض الأراضي الزراعية في الدلتا، خصوصًا المطلة منها على البحر المتوسط مباشرة، كالأراضي الزراعية في كفر الشيخ ودمياط. وثانيًا، يؤدي ري الأراضي الزراعية في الدلتا بالغمر وارتفاع درجات الحرارة إلى تبخر المياه في أراضي الدلتا، مما يزيد من تملح التربة في السنوات الأخيرة.

وبالتالي، يهدد التغير المناخي العاملات الزراعيات نظرًا لتشكيلهن 58% من تلك العمالة عام 2020[2]، كما أن الزراعة تشكل 45% من إجمالي عمالة النساء في مصر[3]. لذلك أي تضرر على الزراعة يؤثر على عمالتها النسائية لأنها هشة، نظرًا لكونها موسمية ورخيصة، أو غير مدفوعة الأجر. كما أن النساء في الريف يواجهن تحديات كبيرة في الوصول للموارد، خصوصًا الملكية الزراعية.

منظمة العمل الدولية

2- وضع العمالة الزراعية النسائية في مصر

من حيث استقرار العمل، نجد أن عمالة النساء الزراعية مدفوعة الأجر تتسم بعدم الرسمية، فـ99% منها غير رسمية[4]، أي لا تمتلك عقود عمل أو تأمين اجتماعي أو صحي. بجانب ذلك، تتسم شريحة كبيرة من تلك العمالة بالموسمية؛ حيث تعمل أوقات محددة فقط خلال العام، غالبًا ما ترتبط بفترات الحصاد، وتكون منخفضة الأجر[5]، فتُمثل العمالة الموسمية 38% من إجمالي العمالة النسائية الزراعية المدفوعة[6] .

ويهدد التغير المناخي الظروف الوظيفية للعاملات الزراعية، فتتسبب ارتفاع درجة الحرارة وزيادة هطول الأمطار في تقليل ساعات العمل التي تعمل خلالها النساء، أو تؤدي إلى أخطار صحية عليهن، كإصابتهن بضربات الشمس أو الإنهاك الشديد بسبب صعوبة الطقس. وينعكس ذلك سلبًا على ظروفهن الاقتصادية في ظل طبيعة عملهن الموسمي والرخيص. ففي مصر مثلًا تتقاضى العاملات أجرهن باليوم، ويًقدر متوسط الأجر اليومي بـ6 دولارات فقط[7].

بجانب ذلك تُعتبر شريحة كبيرة من العمالة النسائية غير مرئية لأنها لا تتقاضى أجرًا مقابل العمل؛ حيث تعمل النساء داخل الأسرة لصالح الأب أو الأخ أو الزوج، بدون مقابل نقدي. ففي الريف المصري، تعمل 79.5% من النساء المشتغلات في الريف في مشروع أسري دون أجر، مقارنةً بنسبة 14.6% من الرجال المشتغلين في الريف[8]. وتتراوح تلك الأعمال بين أعمال زراعية مباشرة كحرث الأرض أو جني المحصول، وأنشطة مرتبطة بالزراعة كتربية الحيوانات وتفريز المحاصيل وإعداد الأجبان والألبان للبيع [9].

3- الملكية الزراعية للنساء

بالرغم من مشاركة النساء اللافت في العمل الزراعي بأشكاله المختلفة، إلا أن الملكية الزراعية للنساء لا زالت محدودة جدًا. فتُمثِّل ملكية النساء 5.2% من إجمالي ملكية الأراضي الزراعية عام 2015[10]، بينما تُمثِّل حيازة النساء للأراضي 3% فقط[11]، ذلك لأن الأعراف الاجتماعية في الريف المصري تعطي أولوية الملكية للرجال، وتعتبر أن توريث الأراضي للنساء يخرجها من نطاق الأسرة. وبالتالي نجد أن العمالة الزراعية النسائية تعمل بعدد ساعات كبير ولا تتلقى مقابل ذلك دخل لائق، أو حتى حقهن الطبيعي في انتقال ملكية الأراضي الزراعية لهن. كما أن الملكية الزراعية بشكلٍ عام ملكية مُفتتة؛ حيث أن 81% من الأراضي الزراعية لا تتجاوز الـ3 فدان[12]. وبناءً على ذلك، لا تستفيد النساء العاملات بالزراعة من عملهن بشكلٍ عادل، سواءً من ناحية الدخل أو الملكية.

ملكية النساء للاراضي الزراعية
المصدر: منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة

4- الخلفية القانونية للحماية الاجتماعية

تعتبر 99% من عمالة النساء في الزراعة غير رسمية؛ أي لا تمتلك أي عقود عمل أو تأمين اجتماعي من العجز والشيخوخة والبطالة. واستثنى قانون العمل عاملات الزراعة البحتة من باب تشغيل النساء؛ من حيث وجوب توفير صاحب العمل حضانات لأطفال العاملات، والحق في إجازات وضع مدفوعة الأجر وإجازة رعاية الأطفال[13]. على صعيد آخر، يتضمن قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات العمالة الزراعية الموسمية، وإعطائهم الحق في إنشاء صندوق للتأمينات الاجتماعية خاصة بهم[14].

5- توصيات

وفي ضوء تلك العوامل، تعاني النساء العاملات في الزراعة بشكلٍ مضاعف من عواقب التغير المناخي على الزراعة في مصر، فهن من ناحية يجدون أن وظائفهن في الزراعة مهددة، أو دخل أسرهن بالكامل. كما أن تلك النساء لا تمتلكن بديل في حال فقدانهن تلك الفرص، نظرًا لقلة الفرص الاقتصادية المتوفرة لهن، ومحدودية الوصول للموارد. بالتالي، ينبغي الالتفات لخطورة العواقب المحتملة التي ستواجهها النساء العاملات في الزراعة من وجوب توفير غطاء قانوني فعال يوفر لهن حماية اجتماعية، وتعزيز وصولهن للموارد، حتى تتقاضى النساء مقابل مادي عادل لعملهن في الزراعة.

 

اقرأ ايضًا:

اشترك في قائمتنا الأخبارية