خيارات صعبة ووعود هشة: السياسة والمناخ ومماطلة الدول الكبرى في قلب مخرجات COP29

COP29، التغير المناخي، بصمة كربونية، التمويل المناخي

“سيتخذون إجراءات قاسية ضد الهجرة المناخية، نحن نرى هذا بالفعل في سياسات مضادة للهجرة تتخذها الدول الغنية بصعود اليمين المتطرف فيها، روح هتلر تدق على أبواب منازل الطبقات الوسطى وكثير منهم يسمحون له بالدخول. هذه الهجرات المناخية سيقمعوها بكثير من العنف والبربرية وما نراه في غزة هو بروفة للمستقبل. لماذا تسمح كبرى الدول الغنية المستهلِكة للكربون بهذا القتل الممنهج للأطفال في غزة؟ لأن روح هتلر تلبّستها وهي مستعدة للتمسك بنمط استهلاكها للكربون وقمع الهجرات المناخية التي تسببها سياساتها.” 1

كانت هذه كلمات الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو في النسخة السابقة من مؤتمر الأطراف في دبي التي غطت دماء الإبادة في غزة على ضجيجها. وهي كلمات تبدو كأنها تحمل نبوءة ما وثيقة الصلة بالتغير المناخي. 

وتحت وطأة أول إبادة جماعية على الهواء مباشرةً في زمن الرقمنة ووسائل التواصل الاجتماعي، وعبر احتفاء مرتكبي الإبادة ذاتهم بها عبر الوسائل ذاتها، وسقوط الإنسانية في وحلٍ قاتمٍ من فجاجة ازدواجية المعايير، في وقتٍ تكاد فيه شاشات الهواتف وأجهزة التلفزة تنضح بالدماء من غزة ثم لبنان، انتهت قبل أسابيع النسخة التاسعة والعشرين من سلسلة مؤتمر الأطراف COP في العاصمة الأذربيجانية (باكو).

هل يعد الهدف الكمي المالي الجديد عادلاً؟

انتهى المؤتمر مع بقاء عدد من الأسئلة معلقًا دون إجابة. شكليًا اتفقت الدول الكبرى ودول العالم النامي على هدف مالي جديد (NCQG) من المفترض أن يحل محل المائة مليار السنوية التي وعدت بها الدول الكبرى الصناعية لتمويل تضرر الدول النامية من التغيرات المناخية التي تسببت فيها الدول الصناعية الغنية على امتداد أكثر من قرن ويقدّر بـ300 مليار دولار سنويًا بحلول عام 20352. ورغم الضجيج المحمود الذي أحدثته الدول الأقل نموًا وتحالف الدول الجُزرية (AOSIS) جنبًا إلى جنب مع المنظمات غير الحكومية ونشطاء المناخ إلا أن سلوك الدول الكبرى بدا متعجرفًا أثناء المفاوضات، مما دفع مسؤولي الدول الأقل نموًا بالانسحاب من الجلسات حيث كاد المؤتمر أن ينهار في اللحظات الحاسمة من المفاوضات قبل الوصول إلى توافق. كان من الواضح وجود خلاف كبير في الاجتماعات المغلقة بشأن قضية تمويل جبر أضرار تغير المناخ، بالتحديد حجم أهدافها والبلدان المساهمة وكم المبالغ التي من المفترض أن تدفعها ومداها الزمني، والتي تقدّرها الدول المتضررة بالتريليونات لا بالمليارات.

هل ستلتزم الدول الكبرى بديونها المناخية؟

عدد من الأسئلة بدا المؤتمر وكأنه يراوح مكانه واستهلاك وقته في مناقشتها مع ما جدّ من مطالبة الدول الأقل نموًا واتحاد الدول الجُزرية بتخصيص مبلغ 1.3 تريليون دولار سنويًا بشكل أساسي من الدول المتقدمة لتمويل مكافحة تغير المناخ حتى ثلاثينات القرن الحالي، وهو ما ضغطت الدول الغنية لتخفيضه عبر زيادة الـ100 مليار دولار الأولى التي اتفقت البلدان عليها في مؤتمر كوبنهاجن إلى 300 مليار، والتي لا تعتبرها الدول النامية كافية لسداد الديون المناخية التي تستحقها من دول الانبعاثات الكبرى للتعافي والتحجيم من أخطار التغير المناخي على اقتصادياتها ومجتمعاتها وبيئاتها المحلية. يأتي ذلك مع إمكانية قلب الطاولة رأسًا على عقب قريبًا دون التقيّد بأدنى التزام من طرف الدول الأغنى بعد كل هذه المجهودات والمفاوضات، ومع التغيرات الكبيرة المتتالية التي تشهدها الساحة العالمية حاليًا خاصةً مع عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض، وهو المعروف بإحجامه عن الاتفاقات المناخية من فترته الأولى، مما قد لا يقوّض مساعي الاتفاق في هذه النسخة فقط بل قد يهدم حتى اتفاقات سابقة في نسخ COP الماضية بانسحابه منها3.

خفض انبعاثات الكربون أم سوق لتجارته؟

لا يبدو التساؤل المنطقي عن أي الرقمين أقرب لإنصاف الدول المتضررة، بل عن جدوى لعبة المساومة تلك التي تتراوح بين شد وجذب دون مردود حقيقي. فما نسبة ما تم تحقيقه مما تم الاتفاق عليه في COP 28 بدبيّ سواء في تحجيم الانبعاثات كما أصرت دول الأوبك أو في صندوقي الخسائر والأضرار والحلول المناخية؟ لا شيء في الحقيقة سوى أن هذه النسخة الأخيرة اتخذت قرارات للتوسع في تفعيل المادة 6 من اتفاق باريس نحو إنشاء نظام أرصدة الكربون العالمي، وهو يعني باختصار شهادات تُثبت تفادي انبعاث كمية معينة من الكربون، حيث يمكن للبلدان والشركات أن تشتريها وتبيعها بينها والحصول على تعويض أو منحه مقابل تخفيض الانبعاثات في أماكن أخرى، وتتعامل بضخ أموال في مشروعات تساهم في تقليل نسبة انبعاث ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، أو تعهّد الشركات الكبرى بدفع تعويضات إلزامية عن انبعاثاتها من الكربون أو تعهدها بتقليل الانبعاثات أو تمويل مشروعات الطاقة النظيفة كتمويل منظومات الطاقة الشمسية أو الغاز الحيوي، والتشجير، واعتماد الحافلات الكهربية بجانب تقنيات احتجاز الكربون. ويتم تقديم سوق الكربون تحت عنوان “المُلوِّث يدفع” ولكن هل يقدم هذا النموذج حلاً، أم يعد أحد طرق التحايل؟

“من احتجاجات نشطاء المناخ على مبدأ سوق الكربون”

من شأن هذا السوق أن يجذب الدول الفقيرة التي تبحث عن تمويلات دولية، والدول الغنية أو الشركات التي تبحث عن طرق ملتوية لتحقيق خفض الانبعاثات. لكن لم تُحدَّ نسب محددة للجميع، مما يترك الباب مفتوحًا أمام كل دولة لتضع معاييرها بنفسها واستصدار شهادات كربون بدون قيمة خفض حقيقي لانبعاثات الكربون، مما يسمح للدول أو الشركات ذات المصلحة بالاتفاق بشكلٍ ثنائي مع بعضها البعض حول معايير يمكن أن يبالغوا في تأثيرها البيئي الإيجابي. 

أثارت صفقات بالفعل تساؤلات: اتفقت سويسرا مع غانا على الحصول على أرصدة مرتبطة بمواقد الطهي النظيفة بتخفيض الانبعاثات بمقدار 3.2 مليون طن، وهو ما صرحت منظمة أليانس سود (Alliance Sud) إنه يبالغ في تقدير توفير انبعاثات الكربون بنسبة 79%4. هذا المبدأ الذي إذا ما تم تعميمه، وهو ما سيحدث على الأرجح، سيكون تفريغًا كبيرًا- معتادًا وليس مستغرَبًا- لمبدأ خفض الانبعاثات الدفيئة من مضمونه وانتصار كبير للشركات العملاقة ضد سكان الجنوب الأقل نموًا.

  1.  “In COP 28 speech, Colombian president Gustavo Petro calls for a free Palestine”, December 3, 2023, Peoples Dispatch. Available at: https://psee.io/6tbvem .
    ↩︎
  2.  “مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP 29 يوافق على زيادة التمويل 3 أضعاف للدول النامية”، موقع الأمم المتحدة، 24 نوفمبر 2024 – https://psee.io/6tbw28 ↩︎
  3. “شبح انسحاب ترامب من اتفاق باريس للمناخ يخيم على COP 29″، دي دبليو، 11 نوفمبر 2024 https://psee.io/6tbwfk . ↩︎
  4. كوب 29 يعيد تشكيل قواعد تعويض الكربون.. ماذا يعني ذلك لسويسرا”، 29 نوفمبر 2024، سويس إنفوhttps://psee.io/6tbulw . ↩︎

اقرأ ايضًا:

اشترك في قائمتنا الأخبارية