بلغ المعدل السنوي لتضخم السلع الغذائية ذروته في سبتمبر 2023؛ إذ وصلت الزيادة في أسعار الطعام والشراب إلى 73.56%[1] في الوقت الذي تزداد فيه دخول الأسر منخفضة ومتوسطة الدخل بمعدلات أقل بكثير وعلى فترات أبعد من الزيادة المتكررة في معدلات التضخم، مما يُقوِّض قدرتهم الشرائية.
وبسبب وضع الاقتصاد المصري المتأزم والانخفاض المستمر في قيمة العملة المحلية وفي ظل سياق عالمي أوسع من اندلاع حروب وانتشار أوبئة وأزمة لامساواة غير مسبوقة، يسود شعور عام بين المصريين بالخوف من تسلل الجوع إلى حياتهم اليومية؛ خوف من أن يصبح الجوع تهديدًا يختبره أصحاب الدخول المتوسطة مع كل تجربة تسوق، وشبحًا ملازمًا لأصحاب الدخول المنخفضة، وأن يترك غير القادرين فريسة لضعف المناعة والأمراض المزمنة. فمن أجل مقاومة الجوع بالحيلة، يلجأ هؤلاء إلى بدائل غير صحية، كتعويض البروتين بالمزيد من الكربوهيدرات وتناول وجبات رخيصة الثمن فقيرة القيمة الغذائية.
يكفل الدستور المصري لكل مواطن الحق في غذاء صحي وكاف، وماء نظيف. وتلتزم الدولة بتأمين الموارد الغذائية للمواطنين، كما تكفل السيادة الغذائية بشكل مستدام، وتضمن الحفاظ على التنوع البيولوجي الزراعي وأصناف النباتات المحلية للحفاظ على حقوق الأجيال.[2] ويؤكد الدستور على هذا الحق للأطفال في مادة منفصلة، فيُشرّع بأنه “يعد طفلا كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، ولكل طفل الحق في اسم وأوراق ثبوتية، وتطعيم إجباري مجاني، ورعاية صحية وأسرية أو بديلة، وتغذية أساسية”.[3] ويأتي الحق في الغذاء ضمن الحقوق الأساسية التي ينص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فلكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ فيما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه.
لكن متى نعتبر أن هذا الحق مفعّل، وأنّ المواطنين المصريين يتمتعون بما يكفله الدستور والمواثيق الدولية لهم؟ تُوضِّح لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالأمم المتحدة أنه يتم إعمال الحق في الغذاء الكافي عندما يتاح ماديًا واقتصاديًا لكل رجل وامرأة وطفل بمفرده أو مع غيره من الأشخاص، في كافة الأوقات، سبيل الحصول على الغذاء الكافي أو وسائل شرائه. وترى اللجنة أن المضمون الأساسي للحق في الغذاء الكافي يعني “توفر الغذاء بكمية ونوعية تكفيان لتلبية الاحتياجات التغذوية للأفراد وخلو الغذاء من المواد الضارة وكونه مقبولاً في سياق ثقافي معين، وإمكانية الحصول على الغذاء بطرق تتسم بالاستدامة ولا تعطل التمتع بحقوق الإنسان الأخرى”.
تهدف هذه الورقة البحثية إلى الوقوف على وضع الأمن الغذائي الحالي في مصر؛ إذ تتحرى مدى تحقق أبعاده بقياس مؤشراته، وذلك باستخدام الدليل الذي وضعته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) لرصد الأمن الغذائي في المنطقة العربية، وبالاعتماد على قاعدة بيانات كلٍ من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والبنك المركزي المصري، والبنك الدولي، ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، وقاعدة البيانات العالمية لأهداف التنمية المستدامة SDG Global Database، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف). ووقع اختيارنا على عامي 2010 و2017 لمقارنتهما بأحدث البيانات المتاحة لغرضين: الأول، لتوضيح التقدم الذي أحرزته مصر خلال العقد الماضي في مقاصد التنمية المستدامة وتحديدًا الهدف الثاني “القضاء على الجوع” أو التراجع عنها. والثاني، هو إنه في حالة غياب بيانات حديثة نستطيع من خلالها قياس أثر كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية على وضع الأمن الغذائي في مصر، فإن السنتين 2010 و2017 قد تمكننا من رسم صورة عن هذا التأثير نظرًا لإن عام 2010 تتضح به تداعيات أزمة الغذاء العالمية على مصر، ويوضح لنا العام 2017 آثار تحرير سعر الصرف (تعويم الجنيه) في نوفمبر 2016.
صورة البحث من تصوير محمود عياد
الهوامش
[1] التحليل الشهري للتصخم، البنك المركزي المصري، https://tinyurl.com/ywkd3m74
[2] دستور مصر الصادر عام 2014، المادة 79
[3] دستور مصر الصادر عام 2014، المادة 80