افتتح مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP 29 يوم 11 نوفمبر الجاري في باكو عاصمة أذربيجان. ركزت المناقشات خلال الأسبوع الأول على ضرورة تعزيز التمويل المناخي وتحقيق العدالة الاجتماعية والبيئية، مع وجود دعوات قوية لتحويل الوعود إلى أفعال ملموسة.
تمويل المناخ (NCQG):
شهد الأسبوع الأول نقاشات مكثفة حول تحقيق هدف جديد للتمويل المناخي (NCQG) ليحل محل الالتزام السابق بتوفير 100 مليار دولار سنويًا، الذي وعدت به الدول المتقدمة لدعم الدول النامية المتضررة من التغير المناخي وتعتبره الدول النامية غير كافي لسداد “الديون المناخية” المطلوبة لتعويض خسائرها. يُطرح الآن هدف تخصيص 1.3 تريليون دولار بشكل أساسي من الدول المتقدمة، مع تركيز كبير على أن يكون التمويل على شكل منح بدلاً عن القروض ذات الفوائد المرتفعة. وعلى الرغم من هذه الجهود، هناك خلافات واضحة حول حجم هذا التمويل، ومصادره، والبلدان المساهمة فيه، ومداه الزمني. كما تُركِّز الدول الغنية على زيادة مساهمة الاقتصادات الناشئة في التمويل، وهو ما يثير جدلاً واسعًا.
العدالة الضريبية ومبدأ “المُلوِّث يدفع”:
تم تسليط الضوء على الإمكانيات الضخمة لجمع الأموال من خلال ضرائب على الصناعات المُلوِّثة، بما في ذلك فرض رسوم على الطيران والشحن البحري واستخراج الوقود الأحفوري. تشير التقديرات إلى أن هذه الإجراءات يُمكن أن تُوفِّر 350 مليار دولار سنويًا لدعم التمويل المناخي. أكدت تصريحات قادة عالميين، مثل رئيسة وزراء بربادوس ومفوض الاتحاد الأوروبي، على ضرورة وضع هذا المبدأ في صلب سياسات التمويل.
تأثير السياسة العالمية:
ومع استمرار المداولات، يلوح في الأفق خطر تقويض الجهود الحالية بسبب التغيرات السياسية العالمية، مثل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو الذي عُرف بإحجامه عن الالتزام بالاتفاقات المناخية خلال ولايته الأولى. هذا السيناريو قد يهدد ليس فقط التقدم في قمة COP29، بل أيضًا الاتفاقات السابقة التي أُبرمت في نسخ سابقة من القمة بانسحابه منها، مما يزيد من تعقيد المشهد ويعكس أهمية الوصول إلى توافق دولي عاجل ومُلزم.
الخسائر والأضرار:
برزت الخسائر والأضرار كأحد المحاور الأساسية للنقاش، حيث طالب تحالف الدول الجزرية الصغيرة (AOSIS) والدول الأقل تطورًا (LDCs) بتمويل يصل إلى 220 مليار دولار للدول الأقل تطورًا و39 مليار دولار للدول الجزرية لتعويض الخسائر الناجمة عن تغير المناخ. وطالب المندوبون بإدراج هدف فرعي مخصص للخسائر والأضرار ضمن إطار التمويل المناخي الجديد لضمان تدفق الموارد للمجتمعات الأكثر تضررًا. يأتي ذلك في ظل تزايد الكوارث المناخية مثل الفيضانات والعواصف، والتي تسببت في خسائر اقتصادية وإنسانية كبيرة خلال العام الماضي.
سوق الكربون:
خطوات نحو إنشاء سوق للكربون بموجب المادة 29 من اتفاق باريس، والتي تقدم مسارين متميزين للدول والشركات لتداول تعويضات الكربون. يسمح الخيار الأول، المادة 6، لدولتين بإنشاء اتفاقية ثنائية لتداول الكربون وفقًا لشروطهما الخاصة. يسعى الخيار الثاني، المادة 6.2، إلى تطوير نظام مركزي تديره الأمم المتحدة لتمكين كل من الدول والشركات من تعويض وتداول انبعاثات الكربون، وهي الخطوة التي مازال يشوبها الغموض حول جدية تطبيق معايير جودة ائتمان الكربون، وهو ما قد يتضح فيما بقي من المؤتمر الذي لا يعتقد حتى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جويترتش أنه يوجد ما يكفي من الإرادة السياسة أو الإلحاح بما يكفي للبدء في حلول.
الانتقال العادل:
ركزت النقاشات على ضمان حقوق العمال والمجتمعات المتأثرة بالتحولات المناخية. وشدد المشاركون على أهمية إدراج البنود المتعلقة بحقوق الإنسان والنوع الاجتماعي ضمن خطط العمل المستقبلية. وبرزت الحاجة إلى تخصيص تمويل لدعم القطاعات غير الرسمية والاقتصادات الضعيفة، ما يعزز العدالة الاجتماعية.
خطط التكيف الوطني (NAPs):
ناقش المشاركون ضرورة تسريع التنفيذ وضمان تمويل مستدام لدعم خطط التكيف الوطني كفرصة لتوحيد استراتيجيات التكيف على المستويات المحلية والوطنية، مع التركيز على تحسين القدرة على مواجهة التحديات المناخية المتزايدة. ومع ذلك، تظل الفجوة التمويلية الكبيرة عقبة رئيسية أمام تحقيق التقدم المطلوب.
الأصوات الغائبة:
برزت مطالبات بزيادة تمثيل المجتمعات المُهمشة، بما في ذلك الشعوب الأصلية والمدافعين عن البيئة. وشدد المشاركون على أهمية تمكين هذه الفئات لضمان شمولية القرارات المناخية وعدالتها. تأتي هذه الدعوات استجابةً للمخاوف المتزايدة من أن غياب هذه الأصوات يعيق تحقيق العدالة المناخية.
ماذا حدث في الأسبوع الثاني من قمة المناخ؟
التمويل المناخي: بين الواقع والطموح
اعتبر الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المسودة الوليدة بمثابة بوليصة تأمين وسط تفاقم الآثار المناخية التي تُؤثِّر على كل دولة. قبل ذلك كانت حالة من الاحتقان والسخط قد سادت أجواء المؤتمر، وانسحب على إثرها ممثلو البلدان النامية خاصًة الجُزُرية (AOSIS) ومقاطعتهم جلسة مع رئاسة المؤتمر بدعم من نشطاء المناخ والسلام ومنظمات المجتمع المدني كرسالة احتجاج على اقتراح مسودة المؤتمر. تضمنت المسودة في البداية مبلغ 250 مليار دولار ثم ارتفع إلى 300 مليار، وهو المبلغ الذي لا يصل لربع المبلغ الذي اتفقت الدول النامية على حاجتها إليه؛ وهو 1.3 تريليون دولار. ووصفها ممثلو الدول بأنها “وهم” و”مزحة” بما يعكس وجهات نظر متباينة. ترى الدول الغربية الغنية في زيادة التزاماتها التمويلية من 100 مليار دولار إلى 300 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2035 تقدمًا كبيرًا وتُبدي تفاؤلًا لما تعتبره هدفًا واقعيًا تستطيع الوفاء به. في الوقت الذي طالبت فيه الدول المانحة بتوسيع قائمة الدول المسؤولة عن التمويل المناخي، مثل الصين والهند والبرازيل، معتبرةً أن هذه الدول أصبحت قادرة على المساهمة.
أزمة الثقة: التمويل بين الالتزامات والواقع
تعهدت الدول المتقدمة عام 2009 في COP15 المنعقد في كوبنهاجن بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا، بتقديم 100 مليار دولار سنويًا حتى عام 2020 عبر “الصندوق الأخضر للمناخ” من خلال منح وهِبات من أجل مشروعات تعمل على الحد من التغير المناخي والتكيف مع انعكاساته على البيئات والمجتمعات المحلية. غير أن المساعدات الفعلية، وبحسب دراسة لمنظمة Oxfam غير الحكومية، لم تتجاوز بضع عشرات من المليارات في بعض السنوات وبضعة مئات من الملايين في سنواتٍ أخرى، وهو ما يمكن أن يتكرر مع المسودة الجديدة الحالية، خاصةً وأنها تنص على مبدأ طوعية المساهمات التمويلية دون تحديد حصص أو مساهمات للدول الكبرى عن غيرها، وهو ما سيعني حرية التنصل من التمويل خاصةً مع عودة ترامب لرئاسة الولايات المتحدة وهو الذي سبق أن انسحب في فترة رئاسته الأولى من الاتفاقيات المناخية، وهو المتوقع أن يتكرر مع وصوله إلى البيت الأبيض.
الخلاف حول الوقود الأحفوري: الموقف السعودي
سعت السعودية خلال تلك الاجتماعات للعودة خطوة إلى الخلف من خلال محاولة إسقاط اتفاق النسخة السابقة COP28 الذي قضى بخفض الاعتماد على الوقود الأحفوري تدريجيًّا، والاتفاق على مضاعفة الطاقة المتجددة عالميًا إلى ثلاثة أضعاف بحلول عام 2030 بعدما شعرت برغبة من الاتحاد الأوروبي في أهداف أكثر طموحًا للحد من الانبعاثات الدفيئة. وأعلنت أن المجموعة العربية لن تقبل بأي نص يستهدف أي قطاعات محددة كالوقود الأحفوري، ودعت إلى التوازن بين التحول المناخي وحماية الاقتصاديات المُصدِّرة للنفط.
اتفاقيات أسواق الكربون:
أُقرت اتفاقيات بشأن أسواق الكربون واتفقت الدول على معاييرها وآلية عملها بموجب اتفاق باريس 2015.
الالتزامات المناخية:
– تم الاتفاق على تجديد الالتزام بحصر ارتفاع درجة الحرارة العالمية في 1.5 درجة.
– التزمت الدول بتحديث خطط المساهمات المحددة وطنيًا (NDCs) بحلول عام 2025.
– تعزيز الدعم للدول الأكثر عرضة للتأثيرات المناخية، مثل الدول الجزرية الصغيرة والدول الأقل نموًا.
– إطلاق مبادرات لدمج النساء والأطفال والمجتمعات المهمشة في سياسات المناخ.