يوافق 8 آذار/مارس اليوم العالمي للمرأة، وتختار الأمم المتحدة سنويًا قضية لتسليط الضوء عليها بمناسبة هذا اليوم، ولكننا اخترنا الحديث عن تحديد النسل تزامنًا مع طرحه من الحكومة المصرية خلال الشهرين الماضيين.
في 2020، تجاوز التعداد السكاني المصري حاجز المئة مليون نسمة، وأبدت الحكومة في أكثر من مناسبة رغبتها في تقليص معدل النمو السكاني، من خلال سياسات تحديد النسل.
الجدير بملاحظته أن الحكومة في الاستراتيجية القومية للسكان 2015 – 2030، والاستراتيجية القومية للصحة الإنجابية 2015- 2020 لم تستند إلى رؤية شاملة تكفل الحقوق الجنسية والإنجابية للأفراد والأسر، وإنما ركزت فقط على قياس معدلات الخصوبة والزيادة السكانية للوقوف على نجاح الخطة أو فشلها.
بداية، عند وضع خطة قومية للصحة الإنجابية، ينبغي الالتفات إلى من تشمله مظلة التأمين الصحي، حيث أن 8% فقط من النساء المصريات مؤمن صحيًا عليهن بحسب المسح السكاني الصحي لمصر الصادر عام 2014، ولذلك يستلزم التركيز على احتياجات الفئات الأكثر هشاشة لتلبيتها، وخصوصًا المراهقات والشابات، وساكنات ريف الوجه القبلي والمحافظات الحدودية، والنساء الفقيرات، والمصابات بفيروس نقص المناعة المكتسب.
يمكن لنا الاعتماد على ما حددته منظمة الصحة العالمية كمعايير لفعالية استراجيات الدولة لتحديد النسل أو للصحة الإنجابية بعدة مؤشرات مهمة، منها وصول النساء للمعلومات عن صحتهن الجنسية والإنجابية، وذلك من خلال المناهج التعليمية في المدارس والجامعات، وأيضًا من خلال مقدمي الرعاية الصحية. بالإضافة لذلك، يجب توفير خدمة صحية بجودة عالية تتلائم مع ظروف فئات النساء المختلفة، دون تمييز، وبتكلفة مناسبة لهن.
وبالنظر للواقع المصري، رصد المسح السكاني الصحي أن النساء اللاتي سبق لهن الزواج تتلقى وسائل تنظيم الأسرة من القطاع الحكومي بنسبة 57%، مقارنة ب43% في القطاع الخاص. ذلك يعني حاجة النساء للخدمات الصحية منخفضة التكلفة، وأن عدم توافر أو انخفاض جودة تلك الخدمة الصحية، أو الحرمان من إتاحة المعلومات الطبية والموارد الكافية من الأدوية وسبل العلاج ستؤدي لتأثير سلبي مباشر على النساء وأطفالهن. فنجد أن 13% من النساء اللاتي لم يسبق لهن الزواج لديهن حاجة غير ملباة لاستخدام وسائل تنظيم الأسرة.
فعلى سبيل المثال، تستخدم النساء المتزوجات الواقي الذكري بنسبة 0.8% فقط مقارنة بباقي الوسائل، وهو وسيلة من وسائل منع الحمل والحماية من الأمراض المنقولة الجنسية، ويتلقاه معظم مستخدميه من الصيدليات الخاصة. يمكن أخذ هذه النسبة الضئيلة كمؤشر على غياب الوعي بالصحة الجنسية والإنجابية، فتعلم 5% من النساء فقط بطرق انتقال فيروس نقص المناعة المكتسب المسبب للإيدز، وذلك يوضح ضعف جودة الرعاية الصحية في المستشفيات الحكومية، وعدم توافر التجهيزات والأدوية الكافية في القطاع الصحي الحكومي.
ومن ناحية المساواة في تقديم الخدمات الصحية، تعاني المراهقات والشابات غير المتزوجات تحديات كبيرة لتلقي المشورة الطبية والعلاج، حيث لا تتوافر المعلومات الكافية عن الصحة الجنسية والإنجابية في المدارس، وتقصر سياسات وزارة الصحة تقديم العيادات الحكومية المدعمة للمشورة والفحص والعلاج للشباب المتزوج طبقًا لتحليل الوضع السكاني الصادر عام 2016، فضلًا عن أن الإجهاض الآمن مجرم قانونًا، حتى في أكثر حالات حاجة له، فلا يحق للناجيات من جرائم الاغتصاب أو الزواج المبكر الإجهاض. فتجد المراهقات والشابات أنفسهن غير قادرات على معرفة المعلومات الأساسية الخاصة بأجسادهن وبالتبعية يفقدن القدرة على حماية أنفسهن من الحمل غير المرغوب، أو الأمراض المنقولة جنسيًا.
وبجانب ضعف الرعاية الصحية الحكومية والتمييز في تقديمها، لم تجري الدولة مسحًا شاملًا صحيًا وديموغرافيًا منذ عام 2014، وذلك من ناحية يؤدي لوضع خطط قاصرة قومية للصحة الإنجابية، لعدم توافر معلومات وأسس سليمة يمكن الاستناد عليها، ومن ناحية أخرى يفتقر السكان والمؤسسات للوصول للمعلومات الكافية عن الحالة الصحية والسكانية للمصريين.
وفي اليوم العالمي للمرأة، نوصي عند تطبيق الدولة رؤيتها للصحة الإنجابية للمصريات أن تمكنهن من اتخاذ القرارات الكاملة الخاصة بأجسادهن، من خلال توفير الوعي والتعليم الجنسي والإنجابي، وتوفير الرعاية الصحية المناسبة لهن ولأطفالهن، وتمكينهن من اتخاذ قرارات الإنجاب داخل الأسرة من خلال سياسات صحية عادلة لهن، وقوانين أسرية تضمن حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية، ولا تجعلهن مضطرات للخضوع لرغبات الزوج والعائلة في الإنجاب بديلًا عن اختيارها.