الأثر البيئي لحروب الكيان

عام من الدمار البيئي في المنطقة يجعل أي محادثات أو حملات بيئية مجرد هراء؛ فما يفعله الكيان المحتل في غزة منذ 12 شهرًا دون توقف، وما يفعله حاليًا في لبنان، يتعدى أضراره البيئية الجسيمة والمستمرة على الكوكب بأكمله وعلى المنطقة بشكل خاص ما قد يفعله الوقود الأحفوري والبلاستيك لسنوات، مما يؤدي إلى تأثيرات كارثية على المنطقة بأسرها، وكذا الأنظمة البيئية للبحر المتوسط والبنية التحتية الحيوية مهددًا صحة وحياة سكان قطاع غزة ولبنان مباشرةً.

فالكيان يتبنى “سياسة الأرض المحروقة” لتدمير ما لا يستطيع احتلاله، بما في ذلك الأرض والمحاصيل والموارد الطبيعية والبنية التحتية، بغض النظر عن الأثر البيئي الذي يمتد أيضًا إلى المناطق التي يتحكم بها ويتسع ليشمل المنطقة بأكملها.

أولا، الأرض:

  • تسببت العمليات العسكرية في تلوث التربة بالمعادن الثقيلة مثل الرصاص والزئبق، بالإضافة إلى مواد كيميائية سامة وهو ما تسبب ببوار الأرضي وتسبب أمراضًا مزمنة مثل السرطان وغيره من الأمراض.
  • دمرت العمليات العسكرية في غزة أكثر من 42% من الأراضي الزراعية والقابلة للزراعة بغزة، وقدرت الأمم المتحدة الخسائر الناتجة عن تلك الأضرار بما يقرب من 629 مليون دولار حتى يونيو 2024 فقط.
  • دمرت العمليات العسكرية قرابة 90% من الأراضي الزراعية لأشجار الزيتون في مناطق القطاع المختلفة، مما حرم أهالي غزة للعام الثاني على التوالي من حصاد الزيتون. وشجر الزيتون يحتاج إلى خمس سنوات على الأقل حتى يُثمر. وتدمير الزيتون يؤثر على التوازن البيئي، ويزيد من التصحر، ويؤثر سلبًا في التنوع البيئي، هذا إذا اغفلنا الجانب الاقتصادي واعتماد السكان على المحصول.
  • جرائم الكيان حولت أرض غزة الى أرض بور بل خطيرة على الصحة ودمرت الأمن الغذائي للمكان مما يعني اعتماده على المعونات الغذائية لما بعد الحرب ولعقود طويلة مما يعني ان حرب التجويع مستمرة لما بعد حرب الأسلحة. بالإضافة على ذلك كل ما حدث لأرض غزة له تأثير مباشر على التوازن البيئي للمنطقة بما فيها الأراضي الواقعة تحت سيطرة الكيان.

ثانيًا، المياه:

  • جرى تدمير 57% من مرافق المياه، بما في ذلك محطات التحلية والآبار وشبكات المياه، مما أدى إلى نقص المياه بشكل حاد.
  • تم تدمير أكثر من 162 بئرًا، بالإضافة إلى محطات تحلية المياه الثلاث الرئيسية في غزة، مما أدى إلى فقدان 95% من القدرة الإنتاجية للمياه في القطاع وخسائر تقدر بـ503 مليون دولار.
  • تلوث المياه الجوفية بالمعادن الثقيلة والمواد الكيميائية الناتجة عن العمليات العسكرية يجعل 97% من المياه في غزة غير صالحة للشرب، للإنسان أو الحيوان أو الري. وطبقًا لمنظمة الصحة العالمية، نسبة النيترات أعلى 6 مرات من الحد المسموح به في تلك المياه. وبالفعل، تزايدت حالات الأمراض المنقولة بالمياه مثل الإسهال والتهاب الكبد نتيجة تلوث المياه.
  • يؤدي التلوث بمياه الصرف الصحي والمواد الكيميائية إلى تلوث المياه الجوفية.
  • أدى انهيار شبكات معالجة مياه الصرف الصحي إلى تصريف 60,000 متر مكعب من المياه غير المُعالجة يوميًا في البحر الأبيض المتوسط، مما يؤدي إلى تلوث مياهه وتدمير موائل الحياة البحرية.
  • وتشير التقديرات إلى أن 25% من مياه البحر بالقرب من غزة أصبحت ملوثة بالبكتيريا الضارة والمعادن الثقيلة. يمكن أن ينتقل التلوث عبر التيارات البحرية إلى دول البحر الأبيض المتوسط المجاورة، مثل مصر ولبنان وتركيا واليونان، مهددًا جودة المياه والثروة السمكية في هذه الدول. كما أن الكيان ذاته يعتمد بشكل كبير على محطات تحلية مياه البحر الذي يلوثه بشكل يهدد حياة الجميع.

ثالثًا، تلوث الهواء:

  • أدى القصف المستمر والانفجارات والغبار المتطاير من الحطام إلى انبعاث آلاف الأطنان من الجسيمات الدقيقة والمواد الكيميائية في الهواء، بما في ذلك ثاني أكسيد الكبريت، وأكاسيد النيتروجين، والجسيمات السامة مثل الأسبستوس.
  • وصل عدد الحرائق جراء العدوان من أكتوبر 2023 إلى يناير 2024 فقط إلى 165 حريقًا، من ضمنهم 19 في مناطق صناعية، مما أدى تلوث الهواء بمواد كيميائية سامة.
  • يشكل هذا التلوث خطرًا كبيرًا على صحة الجهاز التنفسي للسكان، خاصةً مع استمرار استنشاق الجسيمات الدقيقة. شهدت المستشفيات زيادة بنسبة 300% في حالات الأمراض التنفسية والربو خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العدوان، مما يؤثر على أكثر من 179,000 شخص، بما في ذلك الأطفال وكبار السن.
  • بلغ إجمالي الحطام المُتولد عن الهجمات العسكرية أكثر من 39.2 مليون طن، أي ما يعادل أكثر من 10 أهرامات من أهرامات الجيزة. هذه الكمية تعادل أيضًا تغطية أكثر من 365 كيلومتر مربع، وهي المساحة الإجمالية لغزة، بارتفاع يزيد عن متر واحد من الحطام، وهو ما يزيد 13 مرة عن مجموع الحطام الناتج عن جميع الحروب السابقة منذ عام 2008. ويحتوي الحطام على مواد خطرة تشمل أكثر من 800,000 طن من الأسبستوس المحتمل والذخائر غير المنفجرة (UXOs). ويُشكِّل الغبار المتطاير خطرًا على الجهاز التنفسي، خاصةً مع وجود مواد سامة. وستظل هذه المواد تشكل خطرًا على صحة السكان لعقود قادمة.
  • يتراكم ما يقرب من 1,100 إلى 1,200 طن من النفايات يوميًا في المناطق المتضررة، بما في ذلك 400 طن يوميًا في مواقع النازحين وحدها. كما تم تسجيل أكثر من 1.5 طن من النفايات الطبية الملوثة تُترك دون معالجة كل يوم في المستشفيات، مما يزيد من خطر انتشار الأمراض المعدية والمواد الكيميائية الخطرة. ومع عدم حل مشكلة نقل النفايات، يلجأ السكان إلى حرقها في الهواء الطلق مما يزيد من تعقيد مشكلة تلوث الهواء.  
  • ينتقل تلوث الهواء إلى البلدان المجاورة مع الرياح، بما في ذلك الأراضي تحت سيطرة الاحتلال ومصر والأردن ولبنان وسوريا وتركيا واليونان.
  • قد تساهم انبعاثات الغازات السامة والجسيمات الدقيقة الناتجة عن الدمار في ارتفاع درجات الحرارة وتفاقم تأثيرات التغير المناخي في منطقة البحر المتوسط، ويسهم في التغير المناخي العالمي.

جدير بالذكر أن هذه المعلومات أعلاه هي آخر الأرقام والبيانات المُسجلة، ناهيك عن الأضرار التي لم يُتمكن من رصدها بعد، وناهيك عن الأضرار المُحدثة الناجمة عن فشل المجتمع الدولي في وقف الإبادة المستمرة منذ عام.

الأثر البيئي للعدوان على غزة يتطلب استجابة سريعة وشاملة لحماية السكان والبيئة على المدى القصير والطويل. على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات عاجلة لتقديم الدعم والمساعدة في إعادة بناء البنية التحتية البيئية وتعزيز حماية الموارد الطبيعية.

وعلى جانب متصل في لبنان، ثبت استخدام الكيان لقنابل الفوسفور الأبيض المُحرمة دوليًا. ووفقًا لتقرير شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، تسبب استخدام القنابل الفسفورية في جنوب لبنان على مدار الأشهر الماضية في أضرار كبيرة للأمن الغذائي والأراضي الزراعية والغابات والماشية والتنوع البيولوجي، إلى جانب الأضرار الاقتصادية والاجتماعية والخسائر البشرية. وأدت قنابل الفوسفور الأبيض إلى اندلاع 683 حريقًا، متفاوتة بين حرائق صغيرة وكبيرة، ما تسبب في تدمير وإلحاق الضرر بالأراضي الزراعية. كما أفادت التقارير احتراق 47000 شجرة زيتون، الى جانب تعرض أعداد كبيرة من أشجار الصنوبر والسنديان لأضرارٍ واسعة، كما أدت الى نفوق حوالي 340 ألف طير و970 رأسًا من الماشية، وتعرضت 91 خيمة زراعية و310 قفير نحل إلى التدمير. بالإضافة الى ذلك يؤدي تسرب الفوسفور الأبيض إلى الأنهار وطبقات المياه الجوفية إلى امتداد التأثير القاتل جغرافيًا وزمانيًا.

ما حدث ومازال يحدث يقع تحت اسم “الإبادة البيئية”Ecocide ؛ وهي كلمة تتكون من مقطعين: الأول مأخوذ من اليونانية oikos تعني بيت، والتاني مأخوذ من اللاتينية cadere وتعني فعل القتل، وبالتالي تعني الكلمة “قتل البيت”. ومصطلح الإبادة البيئية يعني إلحاق ضرر جسيم أو تدمير أو فقدان للنظام البيئى لإقليم معين بفعل الإنسان. وقد أُدرج هذا التعريف في الاقتراح الذي قُدم إلى اللجنة القانونية التابعة للأمم المتحدة بهدف تعديل نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ICC ليشمل الإبادة البيئية كجريمة خامسة ضد السلام. وتقترح المؤسسات المهتمة بالبيئة والناشطين البيئيين في العالم تضمين “الإبادة البيئية” كجريمة إلى جانب الجرائم الدولية الأربع المقررة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية؛ وهي: الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجريمة الإبادة الجماعية، وجريمة العدوان. وهي كلها جرائم تنطبق على ما يفعله الكيان بأراضي فلسطين المحتلة ولبنان وما قد يأتي بعدهما.

المصادر:

اقرأ ايضًا:

اشترك في قائمتنا الأخبارية